
الصوت بين الضغط والقدرة: قصة فيزيائية لا بد أن تروى
أثار عالم الضوضاء اهتمام الباحثين والمهندسين على مر العصور، ليس فقط بسبب تأثيره على الراحة البشرية، بل أيضًا لارتباطه العميق بتقنيات التصميم، والبناء، والصناعة.
ولكن، وسط هذا الاهتمام المتزايد، غالبًا ما يغيب عن الأذهان سؤال بسيط، وإن كان جوهريًا:ما الفرق بين الضغط الصوتي وقدرة الصوت؟
لفهم هذا الفرق، تخيل أنك تقف بجوار محرك ضخم يعمل بكامل طاقته. تشعر أن الهواء من حولك يهتز بقوة، وتسمع دويًا عاليًا يكاد يملأ المكان. ما يحدث هنا هو قياس مباشر للضغط الصوتي (Sound Pressure)، وهو ببساطة التغير في ضغط الهواء الناتج عن مرور الموجة الصوتية خلاله.
هذا التغير يعتمد بشدة على المسافة بينك وبين مصدر الصوت، وعلى البيئة المحيطة: هل هناك جدران تعكس الصوت؟ أشجار تمتصه؟ أو فراغات تبعثره؟كلما اقتربت من المصدر، ازداد الضغط الصوتي الذي تشعر به؛ وكلما ابتعدت، خفّت هذه الاهتزازات شيئًا فشيئًا حتى تختفي في خلفية الضوضاء اليومية.
ولهذا، يقاس الضغط الصوتي بوحدة الباسكال (Pa)، وعندما نحتاج إلى التعبير عنه كمستوى نسبي، نستخدم مصطلح “مستوى الضغط الصوتي” (Sound Pressure Level – Lp).
ولكن، هذه ليست كل القصة.بعيدًا عن المسافة والجدران والانعكاسات، يوجد مبدأ آخر أكثر ثباتًا: قدرة الصوت (Sound Power)
.قدرة الصوت ليست ما يصل إلى أذنك، بل ما يصدره المصدر نفسه من طاقة صوتية إلى العالم. سواء كنت قريبًا أو بعيدًا، وسط صحراء أو بين جدران قاعة محاضرات، تظل قدرة الصوت ثابتة لا تتغير.
إنها الخاصية الأصلية للمصدر، أشبه بطاقة النور المنبعثة من مصباح كهربائي: لا تتغير قوة المصباح سواء أكنت واقفًا أمامه أو بعيدًا عنه بعشرات الأمتار.
لهذا، تقاس قدرة الصوت بوحدة الواط (Watt)، وعند التعبير عنها كمستوى، نستخدم مصطلح “مستوى قدرة الصوت” (Sound Power Level – Lw).
باختصار:الضغط الصوتي هو ما نسمعه ونقيسه، ويتغير بالمسافة والعوائق المحيطة.قدرة الصوت هي ما ينتجه المصدر ذاته من طاقة صوتية، ولا تتغير بتغير البيئة.
لماذا يهمنا هذا الفرق؟
في الهندسة الصوتية، فهم الفرق بين الضغط والقدرة يغير طريقة تعاملنا مع التلوث الضوضائي، وتصميم العوازل، وحتى تخطيط المدن الذكية.
فبينما يعالج الضغط الصوتي ما يشعر به الإنسان في موقع معين، تساعدنا قدرة الصوت على تقييم الأداء الصوتي للمعدات والتقنيات بطريقة عادلة ودقيقة، بغض النظر عن مكان وجودها.
تذكر أن العالم الصوتي حولنا ليس مجرد “ضجيج”؛ إنه قصة فيزيائية دقيقة من الموجات والطاقة… قصة تستحق أن نستمع إليها بعناية.