التوزع الحراري في المستودعات الدوائية
تخيّل مستودعًا دوائيًا، عالمًا خفيًا حيث تُحفظ الأدوية واللقاحات التي تنقذ الأرواح تحت ظروف دقيقة للغاية.
هنا، درجة حرارة واحدة زائدة أو ناقصة قد تُفسد لقاحًا أو تجعل دواءً غير فعال. هنا يدخل التوزع الحراري (Temperature Mapping) كعامل مهم يضمن سلامة هذه الادوية. لكن ما هو بالضبط؟
التوزع الحراري هو عملية تحليلية تشبه رسم خريطة لمشهد حراري داخل المستودع. الهدف؟ اكتشاف كيف تتراقص درجات الحرارة والرطوبة في كل زاوية، من الرفوف العلوية إلى المناطق القريبة من الأبواب أو وحدات التبريد. الأدوية، خاصة اللقاحات أو الأدوية الحيوية التي تحتاج إلى بيئة مثالية (مثل 2-8 درجات مئوية للقاحات أو -20 درجة للأدوية المجمّدة) لتبقى فعّالة. أي انحراف قد يُفسد جودتها، وهنا يأتي دور هذه العملية لضمان أن كل ركن في المستودع يحترم هذه القواعد الصارمة.
لماذا يعتبر من متطلبات ممارسات التصنيع الجيد؟
اللقاحات مثل لقاح كوفيد-19 أو الأدوية الحيوية تفقد فعاليتها إذا تعرضت للحرارة أو البرد الزائد. التوزع الحراري يضمن أن هذه المنتجات تصل إلى المرضى بنفس الجودة التي خرجت بها من المختبر.
هيئات مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) أو هيئة الغذاء والدواء السعودية تفرض معايير صارمة مثل ممارسات التخزين الجيدة (GWP). بدون توزع حراري، قد تُعرّض الشركات الدوائية نفسها لعقوبات أو خسارة تراخيص.
المستودعات ليست موحدة! المناطق القريبة من مكيفات الهواء قد تكون باردة جدًا، بينما تلك القريبة من الأبواب أو النوافذ قد تكون ساخنة. التوزع الحراري يكشف هذه “المناطق الخطرة”.
التوزع الحراري يشبه بعثة استكشافية داخل المستودع، وهو يتضمن الخطوات التالية:
التخطيط العلمي: يُعد المهندسون بروتوكولًا دقيقًا. ويحددون مواقع وضع أجهزة قياس (Data Loggers) في أماكن استراتيجية: الزوايا، الرفوف العليا والسفلى، بالقرب من الأبواب، أو حتى بجانب وحدات التبريد.
القياس الميداني: يتم نشر أجهزة قياس معايرة عالية الدقة لتسجيل درجات الحرارة والرطوبة على مدار أيام (عادة 7-15 يومًا) في ظروف عادية وحتى في سيناريوهات قصوى، مثل انقطاع الكهرباء أو فتح الأبواب بشكل متكرر.
تحليل البيانات: تُحلل البيانات لرسم خريطة ثلاثية الأبعاد للحرارة داخل المستودع. يتم تحديد “المناطق الساخنة” (Hot Spots) و”المناطق الباردة” (Cold Spots)، مع التأكد من أن جميع المناطق تتماشى مع النطاقات المطلوبة (مثل 15-25 درجة مئوية للأدوية العامة).
التقرير والتوصيات: يُنتج تقرير مفصل يكشف عن أي مخاطر ويوفر حلولًا، مثل إعادة ترتيب الرفوف، تحسين تدفق الهواء، أو تركيب وحدات تبريد إضافية.
المتابعة: قد تُجرى دراسات متكررة، خاصة مع التغيرات الموسمية (صيف حار أو شتاء بارد) لضمان استمرار الامتثال.
تحديات مثيرة!
المناخ المتقلب: الصيف الحار أو الشتاء البارد قد يغيّر ديناميكيات الحرارة داخل المستودع، مما يتطلب دراسات موسمية.
تصميم المستودع: الأبواب التي تُفتح كثيرًا، أو سوء توزيع الهواء من أنظمة التكييف، قد يخلق جيوبًا حرارية غير متوقعة.
أزمات الطاقة: انقطاع الكهرباء قد يكون كارثيًا! لذا، يجب اختبار المستودع في مثل هذه السيناريوهات لضمان وجود أنظمة احتياطية فعّالة.