التصنيع الدوائي
اختبارات تأهيل أنظمة الهواء المضغوط في الصناعة الدوائية: ما يجب أن تعرفه

اختبارات تأهيل أنظمة الهواء المضغوط في الصناعة الدوائية: ما يجب أن تعرفه

في بيئات التصنيع الدوائي، حيث تكون الحدود بين السلامة والجودة دقيقة كخيط الجراحة، يُعتبر نظام الهواء المضغوط أحد الأعمدة الخفية التي تدعم سلامة المنتج ونزاهة العمليات. هذا النظام لا يقتصر فقط على توفير هواء جاف أو خالٍ من الزيت، بل يجب أن يرقى إلى أعلى درجات النقاء والامتثال الصارم لمتطلبات المعايير الدوائية مثل ISO 8573-1 وGMP الأوروبية والأمريكية.

لكن، كيف نضمن أن هذا الهواء يصل إلى هذه المعايير؟ الإجابة تكمن في سلسلة متكاملة من عمليات التأهيل، والتي تبدأ من التصميم ولا تنتهي إلا بعد إثبات الأداء تحت ظروف التشغيل الفعلية.

أولاً: مسار التأهيل – من التصميم إلى الأداء

1. تأهيل التصميم (Design Qualification – DQ)

تُفحص فيه المخططات والمواد المستخدمة والتقنيات المختارة لتأكيد ملاءمتها لاحتياجات الإنتاج الدوائي. هنا تُطرح الأسئلة الجوهرية: هل الأنابيب من الستانلس ستيل؟ هل فلاتر إزالة الجزيئات والزيوت دقيقة بما يكفي؟ هل أُخذت في الحسبان احتمالية التلوث الميكروبي؟

2. تأهيل التركيب (Installation Qualification – IQ)

مرحلة تحقق فعلي من أن كل مكوّن تم تركيبه وفقًا للتصميم. يتم فيها توثيق أماكن العدادات، خطوط التوزيع، أنواع الفلاتر، وأجهزة التحكم.

3. تأهيل التشغيل (Operational Qualification – OQ)

يُختبر النظام دون تحميل تشغيلي، للتأكد من كفاءة التشغيل والاستجابة للمتغيرات. يُقاس التدفق، الضغط، درجة الجفاف، وكفاءة أنظمة الإنذار.

4. تأهيل الأداء (Performance Qualification – PQ)

المرحلة الأهم، حيث يُختبر النظام في ظروف التشغيل الحقيقية. هنا يتم اختبار جودة الهواء المضغوط وفقًا لمعايير ISO، وضمان أنه لا يحمل معه جسيمات أو زيوت أو ملوثات ميكروبية إلى بيئة الإنتاج.

ثانياً: اختبارات الغاز في أنظمة الهواء المضغوط – المعايير والواقع

عند الحديث عن اختبار جودة الغاز في أنظمة الهواء المضغوط، فنحن لا نتحدث عن اختبار واحد، بل عن منظومة معقدة من التحاليل الفيزيائية والميكروبية والكيميائية. هذه الاختبارات تُجرى غالبًا خلال مرحلة تأهيل الأداء (PQ)، وتتمحور حول ستة محاور أساسية:

1. اختبار الجسيمات الصلبة (Particulates)

يُقاس عدد الجزيئات العالقة وفقًا لحجمها باستخدام عدادات ليزر دقيقة. في البيئات العقيمة، تُقبل فقط أقل من 100 جسيم بحجم 0.5 ميكرون لكل متر مكعب.

2. اختبار محتوى الزيت (Oil Content)

بما في ذلك الرذاذ والبخار، ويجب ألا يتجاوز 0.01 ملغ/م³ في الأنظمة من الفئة الأولى، خاصة عند استخدام ضواغط زيتية. يُستخدم التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء أو التحليل الوزني.

3. اختبار الرطوبة (Dew Point)

الرطوبة هي العدو الخفي لأي نظام هواء، حيث تعزز النمو الميكروبي وتسبب التآكل. يتم استخدام أجهزة قياس نقطة الندى، ويجب أن يكون الحد الأدنى عادة -40 درجة مئوية أو أقل.

4. الاختبار الميكروبيولوجي

ضروري في المنشآت المعقمة. يتم تجميع الهواء عبر مرشحات أو بوساطة التصادم الهوائي على أوساط غذائية مثل TSA، ثم يُعد عدد وحدات التكوين الاستعماري (CFU). المسموح به عادة أقل من 1 CFU/م³.

5. اختبارات ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون

يُستخدم للكشف عن مشاكل احتراق أو تحلل زيتي. وتكون الحدود عادة أقل من 10 جزء في المليون لأول أكسيد الكربون و500 جزء في المليون لثاني أكسيد الكربون.

6. اختبارات غازات أخرى (عند الحاجة)

مثل أكاسيد النيتروجين أو الأوزون، تُجرى فقط إذا أظهر تقييم المخاطر احتمالية وجودها.

ثالثاً: أين ومتى تُجرى الاختبارات؟

لا تجرى الاختبارات في نقطة واحدة فقط، بل تُحدد نقاط أخذ العينات وفقاً لمبدأ “أسوأ الاحتمالات”، مثل نهاية خطوط الأنابيب، أو بالقرب من نقاط التعبئة والتغليف. وتُحدد دورية الاختبارات بناءً على تقييم المخاطر – قد تكون شهرية أو ربع سنوية أو سنوية.

رابعاً: لا اختبار بدون توثيق

كل اختبار يجب أن يُوثق في سجل معاير رسمي، يتضمن:

موقع العينة وتاريخه

الجهاز المستخدم وتاريخ معايرته

النتائج والمعايير المقبولة

التوصيات أو الإجراءات التصحيحية (إن وُجدت)

أخيراً: الأطر المرجعية

العديد من الجهات الدولية وضعت معايير لضمان نقاء الهواء المضغوط في الصناعات الدوائية، ومنها:

سلسلة ISO 8573-1 إلى 8573-9

دستور الأدوية الأمريكي USP <1231>

ملحق الاتحاد الأوروبي GMP Annex 1

دليل ISPE للعملية الصناعية للغازات

اختبارات تأهيل الهواء المضغوط في الصناعة الدوائية ليست مجرد متطلبات تنظيمية؛ إنها درع غير مرئي يحمي سلسلة القيمة بأكملها – من المواد الخام حتى المنتج النهائي. وفي زمن تُقاس فيه الثقة الدوائية بالميكروغرام، فإن نقاء الهواء هو أحد أصدق المؤشرات على جودة المنشأة، وحسن إدارتها، ونضجها المهني.