التصنيع الدوائي
تحوّل جذري في إدارة الجودة والعمليات في الصناعات الدوائية: نحو توظيف الذكاء الاصطناعي المتقدم

تحوّل جذري في إدارة الجودة والعمليات في الصناعات الدوائية: نحو توظيف الذكاء الاصطناعي المتقدم

في محاضرة علمية حملت عنوان “تحويل العمليات الدوائية باستخدام الذكاء المعرفي المتقدم”، تناول الباحث Shitanshu Srivastava أحدث التوجهات في استخدام أدوات تحليل البيانات الذكية لتطوير أداء نظم الجودة والعمليات الإنتاجية في القطاع الدوائي.

رؤية جديدة لإدارة البيانات

تعتمد هذه الرؤية على توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة تحليل معرفية تُضاف إلى طبقة البيانات المعقدة داخل المنشآت الدوائية، بما يشمل:

  • أنظمة التحكم الصناعية (SCADA)
  • أنظمة مراقبة الإنتاج (MES)
  • أنظمة إدارة بيانات المختبرات (LIMS)
  • نظم تخطيط الموارد المؤسسية (ERP)

إضافة إلى السجلات التشغيلية اليومية مثل تقارير الانحراف، ملفات CAPA، وتفاصيل نوبات العمل.
ويهدف هذا التكامل إلى استخراج معلومات دقيقة، وتوليد تقارير تنظيمية وتحليلية بصورة تلقائية، دون الحاجة إلى إجراءات يدوية مطوّلة.

محرك معرفي متعدد الوظائف

يعمل هذا النظام المعتمد على الذكاء التحليلي كوحدة متعددة المهام، تجمع بين القدرة على استيعاب البيانات، واكتشاف الأنماط، وتفسير الأسباب، وتوليد تقارير قابلة للنشر ومتوافقة مع المتطلبات التنظيمية الصارمة.

أبرز التطبيقات العملية

أولًا: أتمتة التقرير السنوي لجودة المنتج (APQR)

يُعد إعداد التقرير السنوي لجودة المنتج من المهام الأساسية في أي منشأة دوائية، نظرًا لمتطلبات الجهات الرقابية كهيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ومنظمة ICH.
تقليديًا، يحتاج هذا التقرير إلى جمع بيانات من مصادر متعددة وكتابتها يدويًا وفق معايير صارمة.

في النظام الجديد:

  • يتم دمج البيانات من LIMS وMES وغيرها بشكل تلقائي.
  • يُنتج تقرير مكتمل الصياغة بصيغة PDF أو XML.
  • يتضمّن مؤشرات الثقة، واستعدادًا كاملًا للمراجعة والتدقيق، مع إمكانية تتبع كل معلومة واردة في التقرير.

النتائج العملية: تقليص فترة إعداد التقرير من أسابيع إلى أيام، وتحقيق مستوى أعلى من الدقة والامتثال.


ثانيًا: التحقيق في أسباب الانحرافات (Root Cause Analysis)

من المهام الصعبة التي تواجه فرق الجودة في المصانع تحليل أسباب الانحرافات التشغيلية، والتي غالبًا ما تتطلب مراجعة يدوية دقيقة لسجلات الأجهزة وسلاسل الإنتاج.

النظام الحديث يقدم منهجًا متكاملًا يشمل:

  • قراءة البيانات الخام من أنظمة التحكم.
  • مقارنة الحالات الجديدة بحالات مشابهة سابقة.
  • تحليل العلاقات السببية بين الأحداث.
  • صياغة تقرير سردي مفصل.
  • التحقق من مطابقة النتائج مع الإجراءات التشغيلية والسياسات المعتمدة.

وقد جرى تطبيق هذا الأسلوب بنجاح في تحليل حالة انحراف مستوى الأوكسجين المذاب في أحد خزانات التخمير، ما أدى إلى نتائج دقيقة وسريعة.


ثالثًا: التحقق المستمر من العمليات (CPV)

يُعَد التحقق المستمر من العمليات أحد مفاتيح ضمان جودة المنتجات الدوائية، خاصة في ظل الحاجة لمراقبة الإشارات القادمة من أجهزة المراقبة اللحظية (PAT) وأنظمة الإنتاج والمحفوظات البيانية.

يوفر النظام قدرات تحليل متقدمة تشمل:

  • اكتشاف الانحرافات المفاجئة أو التراكمية في العملية الإنتاجية.
  • التمييز بين الانحرافات الناتجة عن ظروف بيئية أو تغييرات تشغيلية.
  • التنبيه المبكر قبل وصول المشاكل إلى مرحلة التأثير على جودة المنتج.

الضوابط والاحتياطات

تدرك المؤسسات التي تطبّق هذه الأنظمة أن الذكاء التحليلي لا يخلو من التحديات، ولهذا تم اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية، منها:

  • ضبط السلوك غير المتوقع للنظام عبر ربطه بآليات استرجاع المعلومات الموثوقة.
  • تخصيص النماذج المستخدمة لتكون مدرّبة على وثائق نظم الجودة والإجراءات التشغيلية الداخلية.
  • إجراء إعادة تدريب دورية للتحكم بانجراف النموذج بمرور الوقت.
  • التأكيد على أن دور العامل البشري يظل محوريًا في المراجعة والتحقق، فلا يُعتمد على التشغيل الآلي وحده.

تُظهر هذه التجربة أن مستقبل العمل في الصناعات الدوائية يتجه نحو النماذج المؤتمتة المدعومة بذكاء تحليلي، يعزز الكفاءة دون المساس بجودة الإجراءات أو الالتزام بالمعايير التنظيمية.
ولا شك أن العاملين في مجالات نظم إدارة الجودة، والامتثال، وإجراءات CAPA، سيكون عليهم مواكبة هذا التحول والاستعداد لتبنّي أدوات جديدة تدعم العمل الذكي والمنهجي.